لا تزال حملات التوعية على سرطان البروستاتا خجولة في العالم العربي ولبنان نظراً الى ارتباط هذا المرض ببعض المحرّمات التي تمس الرجولة وأدوارها. وغالباً ما يتغاضى الرجال خجلاً او إحراجاً عن إجراء الفحوص المبكرة أو حتى عن استشارة طبيب مختص عند الشعور ببعض الأعراض السريرية ما يؤدي في حالات كثيرة الى التأخر في اكتشاف السرطان الذي يمكن ان يصيب البروستاتا و بالتالي التأخر في إعطاء العلاجات الضرورية التي تمنع انتشاره أو تحوله الى سرطان عدائي.
سرطان البروستاتا هو أكثر أنواع السرطان شيوعاً لدى الرجال، لكنه ليس الأكثر تسبُّباً بالوفاة، كونه ينمو عادة ببطء. يَظهر غالباً بعد سن الخمسين وتزداد نسبة ظهوره مع التقدم بالعمر. وتشير الأرقام الى كونه استثنائيأ عند الرجال دون سن الخمسين (0.5 في المئة من الحالات)، بينما يصيب بشكل رئيسي من هم فوق 70 عاماً حيث يكون متوسط العمر عند التشخيص 74 عاماً، و 45 في المئة يتم تشخيصه بعد سن 75 عاماً. كما تشير الأرقام العالمية إلى أن رجلاً واحداً من أصل سبعة رجال معرض للإصابة بسرطان البروستاتا خلال حياته.
في البداية، يقتصر هذا الورم على غدة البروستاتا، وقد لا تنتج عنه أي أعراض. من هنا أهمية إكتشافه في مراحله الأولى، لأن فرص العلاج تكون أفضل. ويمكن أن يسبب التهاب البروستاتا وتضخمها الحميد أو السرطاني الأعراض الآتية: الحاجة الملحة إلى التبول كثيراً ليلاً ونهاراً مع كثرة التبول وصعوبة في بدئه أو إيقافه. كما قد يترافق مع جريان بول ضعيف أو بطيء مع الشعور بعدم إفراغ المثانة بشكل تام، وقد يرافقه أيضاً ظهور دم في البول أو السائل المنوي.في مراحله المتقدمة، قد يؤدي سرطان البروستاتا الى مشكلات في التبول وألم في العظام لا سيما في الحوض أو الوركين أو أعلى الفخذين.
أسباب سرطان البروستاتا غير واضحة. إلا أن هناك عدة عوامل قد تزيد من خطر الإصابة به وأهمها التقدم بالعمر والتاريخ العائلي حيث تلعب الوراثة دوراً كبيراً. ففي حال تَعرُّض الوالد او الأخ او العم تصبح إمكان الأصابة بسرطان البروستاتا أعلى، ومن هنا ضرورة إجراء فحوص دورية عند اي رجل معرّض وراثياً لهذا المرض بدءاً من سن الخامسة والأربعين. كذلك ثمة مؤشرات على أن النظام الغذائي الغني بالدهون الحيوانية قد يؤثر على ظهور سرطان البروستاتا.
ولتسليط الضوء على هذا المرض، أقام قسم أمراض الدم والاورام في مستشفى «اوتيل ديو» الجامعي في بيروت مؤتمراً صحافياً عبر تطبيق زوم حول كيفية تشخيص سرطان البروستاتا وسبل الوقاية منه وعلاجاته.
بدايةً، لتشخيص سرطان البروستاتا يطلب الطبيب المختص اختبار مستضد البروستاتا النوعي أو PSA وهو فحص دم، ويطلب كذلك فحص المستقيم الرقمي أو ما يُعرف بـ «فحص الاصبع» الذي يجريه اختصاصي المسالك البولية. ويؤكد الدكتور جوزف قطان، رئيس قسم أمراض الدم والاورام في مستشفى اوتيل ديو الجامعي أن «هذين الفحصين أساسيان لتشخيص سرطان البروستاتا في مراحله المبكرة وننصح باجرائهما بدءاً من سن الخمسين، مرة كل عام، وبدءاً من سن الخامسة والأربعين عند وجود عدة حالات من سرطان البروستاتا التي ظهرت في العائلة في عمر مبكّر، أي ما بين الخمسين والستين. في حال كشَف أي من هذين الاختبارين خللاً في البروستاتا، يطلب الطبيب المعالج المزيد من الاختبارات للتأكد من إمكانية وجود السرطان». وهذه الاختبارات تشمل التصوير فوق الصوتي او ultrasound أو زرع خزعة من نسيج البروستاتا أو التصوير بالرنين المغناطيسي المدمج.
لا شك في أن هذه الاختبارات قد تكون مزعجة لدى الكثيرين كما يخبرنا أحد المرضى لكنها ضرورية وحيوية لاكتشاف سرطان البروستاتا، وكلما كان الكشف مبكراً اي حين يكون الورم لا يزال صغيراً كلما ازدادت إمكانية الشفاء. وعن تجربته يقول المريض: «تمّ إدخال مسبار الموجات فوق الصوتية في المستقيم لتصوير البروستاتا والمناطق المشبوهة من حولها. ثم استُخدم جهاز يشتمل في نهايته على إبرة دقيقة لأخذ عينات متعددة للحصول على نوع من خريطة البروستاتا ولتقييم أهمية الورم المحتمل». لكن المريض يؤكد أن هذا التحليل الذي قد يكشف ورماً سرطانيا لا يعني بالضرورة ان يكون عدائياً او مميتاً، ففي حالته كان ورماً محصوراً وغير عدائي استطاع التخلص منه عن طريق الأدوية.
من جهته يقول د. قطان: «إذا تمّ تشخيص الورم، يلجأ الأطباء الى مقياس غليسون لتحديد مدى عدوانية الخلايا السرطانية. إذا كانت درجة الغليسون ما دون 7، تكون درجة الورم منخفضة الأمر الذي لا يتطلب في غالبية الأحيان أي علاج. و في هذه الحالة، نوصي بالمراقبة المستمرة وخصوصاً أن السرطان لا يزال موضعياً. ومن الممكن ألا تنجم عنه أي أعراض وقد يستمر نموه عدة أعوام. أما اذا كانت درجة الغليسون مرتفعة أي تزيد عن 7 يُعتبر المرض عدوانياً، وحينها يجب أن نلجأ بحسب الحالة إلى الجراحة أو العلاج بالأشعة أو العلاج بالهرمونات أوالعلاج الكيميائي».
يعتمد علاج سرطان البروستاتا على مرحلة تطوره ونوعه وكذلك على الحالة الصحية العامة. ويؤكد الدكتور قطان أن العلاجات المتوافرة حتى الآن، ولا سيما العلاجات الهرمونية من الجيل الثاني، توافر للمريض نوعية حياة جيدة. ويختم بالقول إنه في غالبية الأحيان يتوفى المريض من أمراض أخرى كأمراض القلب والشرايين.
جراحة البروستاتا بين التقليدي والروبوتي
غالباً ما تُجرى جراحة استئصال البروستاتا لعلاج سرطانها الموضعي. قد تُجرى هذه الجراحة بشكل مستقل أو مع العلاج بالإشعة والمعالجة الكيميائية والهرمونية. لعلاج السرطان تتم إزالة الغدة كاملةً، والحويصلات المنوية وبعض الأنسجة المحيطة، ومنها العُقَد اللمفية.
تشمل خيارات استئصال البروستاتا لعلاج السرطان أساليب مختلفة ومنها الاستئصال الجذري المفتوح لغدة البروستاتا وهي الطريقة التقليدية القديمة، والاستئصال الجذري عبر المنظار، أو الاستئصال الجذري للبروستاتا بمساعدة روبوت. وتُعتبر هذه أحدث التقنيات وتتيح ألماً اقل، نتائج جمالية أفضل حيث تكون الشقوق صغيرة جداً ما يسبب فقدان دم أقل وفترة بقاء في المستشفى أقصر.
وبعيداً عن سرطان البروستاتا قد تساعد أيضاً عملية استئصال البروستاتا البسيطة في علاج انسداد الإحليل الناجم عن تضخم البروستاتا الحميد. وقد لا يحتاج المريض دائماً في علاج تضخم البروستاتا الحميد إلى إزالة البروستاتا كاملةً. وتخفف هذه الجراحة من الأعراض والمضاعفات البولية الناجمة عن انسداد تدفق البول.
من هنا أهمية كسر كل التابوهات والمحرمات المتعلقة بهذه الغدة الحيوية في الجسم و العمل على استشارة طبيب ما إن تظهر أي أعراض مزعجة أو حتى قبل ظهورها في حال وجود سوابق عائلية لضمان الحصول على العلاج المناسب سواء كان الورم حميداً او خبيثاً.
