الأمم الاستعمارية، وفي مقدمتها أميركا، تجرعنا ويلات ألعابها في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، فهي تصنع اللعبة وتلحقها بالحدث، ثم تهشم تلك اللعبة لتصنع منها حدثا آخر، وما ان تنتهي اللعبة السابقة حتى تبدأ بصنع اللعبة الجديدة، ونحن في سلسلة كل تلك الألعاب ندفع الثمن غاليا، ثمن نتكبده في ديننا،
وثمن تسيل فيه دماؤنا وتزهق أرواحنا، وثمن نمول فيه اللعبة تلو الأخرى من أموالنا وثروات شعوبنا، وثمن تهدر فيه ثقافتنا وتضيع معه حضارتنا وقيمنا، وثمن تقطع فيه أمتنا ودولنا أشلاء متناثرة متنافرة متطاحنة بين دويلات وعصابات وإمارات حرب تجعلنا فخارا مهشما، يستعصي على الترميم. وهو ثمن ندفعه بسبب تخاذل بعض حكوماتنا أو عدم اكتراث بعضها الآخر.
ففي عام 1917 صدر وعد بلفور بهدف «تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين»، وقد صنعت بريطانيا «لعبة القومية العربية» للتحرر من الهيمنة الاستعمارية العثمانية، وهي حقيقتها سلخ للأمة العربية عن عمقها الإسلامي الذي تمثله دولة الخلافة، لكننا لهونا بتلك اللعبة، فتحول وعد بلفور الى حقيقة بجعل فلسطين موطنا لليهود في عام 48، وقد خضنا «لعبة» حرب التبرير لتمهيد إعلان قيام إسرائيل وفق ترتيبات أو خيانات من بعض الأنظمة.
وتزامن ذلك مع فرحنا بـ«لعبة» التحرر من الاستعمار الذي قسمنا الى دويلات، فأخذت كل منها تحتفل باستقلالها، وهو تكريس لمخطط سايكس بيكو، ثم يحدث العدوان الثلاثي للقضاء على قدرات الجيش المصري لترجيح الكفة الصهيونية، وبسبب هذا الضعف تحرك الصهاينة بـ«لعبة» حرب الـ 67 التي صارت نكسة
وتعددت «ألعاب» قرارات الأمم المتحدة من قرار 242 الشهير وما لحقه من قرارات منحت اعترافا لإسرائيل، وصرنا نتكلم عما قبل وما بعد 67، وتم استدراج دولنا الى «لعبة» حرب الـ 73 لتكون الفصل الأخير لتأمين الكيان الصهيوني، الذي حاز أراضي جديدة لتكون ثمنا للعبة السلام الوهمي واتفاقياته، فهرولنا خلف أوسلو و«لعبة» الدولتين. وقبلنا «لعبة» السلطة الخاضعة والمهيمن عليها من سلطة الاحتلال، والأخيرة ترفض إتمام خيار الدولتين وإعلان فلسطين المستقلة بعاصمتها القدس الموحدة.
وقد تتابعت «لعبة» الأمم بالشرق الأوسط الجديد الذي قطع أمتنا ودولنا الى أشلاء طائفية متطاحنة بين دويلات وعصابات إمراء حرب تكرارا لمشهد صنعه الأميركان بـ«لعبة» أفغانستان، وصدروا من خلاله نماذج عديدة لأمراء الحرب.
وبدأت «لعبة» الحرب عليهم ولعبة «الإرهاب» الذي لم يقتصر عليهم، وإنما موجه للأمة التي انطلت عليها اللعبة فشاركت في الحرب على الإرهاب، لتدخل نفسها بدوامته، وقد صنعوا صدام «اللعبة» وأطاحوا به وفق قواعد لعبتهم، وأقاموا مكانه «لعبة» تفتيت العراق، وأتبعوها بـ«لعبة» الربيع العربي لتفتيت بقية الدول.
وها نحن نشهد حروب عدم التعايش وهدم دولنا وتعزيز مكاسب أمراء الحرب «اللعبة الصنيعة».
ويا لسخريات القدر، فللتو تدرك أميركا ضرورة ضربهم بعد أن رعتهم لعشر سنوات. وقد تحقق للكيان الصهيوني أفضل أمان، فراح يعيث عدوانا وإجهازا على غزة بـ«لعبة» جديدة لم تكتمل فصولها بعد، تزامنا مع «لعبة أمراء الحرب»، وأمتنا تدفع الثمن.
أ. د. محمد عبدالمحسن المقاطع
dralmoqatei@almoqatei.net