استقراء واقع الأداء الحكومي في الكويت يكشف خللا مزمنا ومتلازما في جميع الحكومات التي تم تشكيلها في العقدين الماضيين، موجزه غياب الفريق وغياب القرار الحكومي والرغبة في حل قضايا البلد.
ان الإطار العام المهيمن على الحكومة هو ميلادها فقط في الواقع السياسي، بمعنى أن جل ما يتم السعي له أن تكون لدينا حكومة قائمة، من يقودها؟ من هو فريقها؟ ما هو تصورها ونقاط تمييزها؟ ما هي أولوياتها؟ هل لديها الرغبة والقدرة على حل مشاكل البلد؟ كل ذلك ليس مهما ولا اعتبار له في تشكيل الحكومة، ولذا فإن أساس ميلاد الحكومة خاطئ، فلا غرابة ولا مفاجأة إذا كانت الحكومة مؤسسة هشة ليس لديها إمكانية تحقيق أي تقدم أو تغيير أو إنجاز للبلد وفاقدة ثقة الناس والتفافهم حولها.
ولذلك فالكويت ليست بحاجة الى أن تكون فيها حكومة كي تكمل شكلا وتحقق الوفاء بالتزامها سياسيا أو قانونيا وحسب، الكويت بحاجة الى ان تكون فيها حكومة بنهج جديد، حكومة تفهم مكامن قوتها وتدرك حقيقة سلطتها وتستشعر إمكاناتها في إحداث التغيير، حكومة تقود العمل التنفيذي برؤية ومبادرة وقرار، حكومة تتسم بالتجانس وتملك مهارات القيادة وشجاعة وفرض التغيير، حكومة ترى البرلمان سببا لنديتها وقوتها والمساءلة مدخلا لمصداقيتها والفساد سببا لإضعافها.. حكومة لا يكون فيها مجلس الوزراء مؤسسة غائبة وتسيره الأحداث وردود الأفعال وأفراد فيه، بل حكومة لا يكون فيها الوزراء موظفين وينتظرون توجيه رؤسائهم أو رضاءهم، أو ترضية أعضاء لضمان استمرارهم، بل حكومة يكون وزراؤها زاهدين بالمنصب، قوتهم تضفي قوة ملموسة للمنصب، ولا يكون ضعفهم سببه التمسك بالكرسي، حكومة فريق متجانس وليست أفرادا متنافرين، كل منهم يكيد بالآخر أو يعمل مع طرف أو محسوب على آخر، حكومة تحدد قضيتين أو ثلاثا وترهن وجودها على إنجازها بالكامل خلال سنة أو سنتين وتملك فرص تحقيق ذلك في مواجهة أية معوقات.
إن الكويت رغم صغر حجمها كبيرة برجالها، هائلة بامكاناتها متنوعة في طاقاتها، لكنها لم توظف ذلك توظيفا صحيحا لكونها لم تحظ بحكومة ذات رؤية ورغبة وقرار، وهو ما فوت الفرصة تلو الأخرى حتى صارت الكويت المتميزة في كل شيء في ذيل قائمة الدول في كل المجالات، حتى لحقها خلل بالمنظومة الدستورية وتجربتها الديموقراطية وتآكل للبحبوحة السياسية ولواحة الحريات فيها، بمساهمة من مجلس الأمة الذي صار ضرره على البلد أكبر من نفعه.
فلئن كنّا فعلا نطمح لكويت جديدة تستعيد مكانتها السابقة وتخلع ثوب الإحباط والتراجع، لتكتسي حلة التجديد القادر على التحدي وتجاوز مشكلات الوطن ومعضلاته، كي نخرج البلد من دوامة الأزمات والتراجعات، فقد آن الأوان أن نتبنى نهجا جديدا بتشكيل الحكومة نهج الاستمرار يكون لمن ينجز، وان يأتي التشكيل بفريق من وزراء لا يسعون للمنصب، فالبلد بحاجة لأمناء أقوياء، لهم قرار مشهود لهم بالنزاهة والثقة. وان يتم تقليص وزراء الأسرة بوزيرين أو ثلاثة اتساقا مع الدستور ونأيا بهم عن الصراع والتجريح، فليكن التشكيل عنوانا للنجاح والتغيير.
أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع
dralmoqatei@almoqatei.net
al_moqatei@