في كل انتخابات نسمع خطباً وعباراتٍ وكلمات مكررة من المرشحين، وهي كذلك بعد أن يصبحوا نواباً، فسرعان ما يتم إلقاء اللوم على الحكومة عن تخلّف أحوال البلاد ومجالاتها وخدماتها، ويطالبون بالإصلاح والتغيير والاحتذاء بالدول التي تقدّمت وتخطت الكويت في شتى المجالات.
مطالبات جميلة وعبارات معقولة وكلمات مطلوبة، لكنّ المشكلة تكمن فيهم نواباً ومرشحين، فكل عيب يصفون به الحكومة هم أسوأ منها فيه، وكذا المآخذ التي يسجلونها بحق الحكومة، وعلى رأسها هلاميتهم وعدم جديتهم وتداخل الأمور والتفريط بها والمساومة عليها، بمبرر أن «السياسة فن الممكن».
فصارت السياسة بالنسبة إليهم فنون الوعود الكاذبة، والهلامية في المواقف والآراء، وتحقيق مآرب وأمجاد شخصية وإهدار مصلحة البلد، وتعمّد الإساءة إليه، بل والمتاجرة به، فمسلكهم هو دغدغة المشاعر وتأجيج الجماهير بلا حسّ وطني ولا مصداقية، وهم مَن يمارس الفساد ويرعاه ويقنّنه بقِصَر نظر وانتهازية، للظفر بالكرسي أو الاستمرار فيه، ولا عزاء للبلد ومصالحه ومواطنيه، وهو ما أضاعه منذ عام 1981 على أقل تقدير.
ولا تعني قسوتي ونقدي للنواب ومسيرتهم أنني أبرئ الحكومة إطلاقاً، فنمط تشكيلها وأعضائها ومسلكها يقود باتجاه إفساد الدولة، وإفساد العمل البرلماني، وهو ما أوصلنا إلى إدارة عامة عاجزة أو فاسدة.
أما على صعيد العمل البرلماني، فينبغي أن نفكّر في تعديلات جذرية تؤدي إلى إعادة غربلته، مثل تقييد الترشّح لعضوية مجلس الأمة بثلاث دورات، حتى لا تكون النيابة حكراً مدى الحياة، ونفوذاً للاستهلاك السياسي والوطني، وضياع البلد ومقدّراته ومقوّماته، ومنها تبنّي فكرة العزل الشعبي لكل عضو خيّب الآمال بممارساته وفساده وانحرف سياسياً، بطلب يقدمه نفس عدد من انتخبه أو عدد يمثّل 10 في المئة من أصوات ناخبي الدائرة التي شاركت في انتخابه.
وينبغي التفكير الجدّي في إنشاء هيئة مختلطة، سياسية وقضائية، تنظر في أية شكاوى تقدّم على الأعضاء، وتبحث من تلقاء نفسها، أيضاً، التصدي لسوء استخدام السلطة والنفوذ، وتعارُض المصالح، والتكسّب المالي والتنفيع، وإن كان النائب قد أضر بمصالح البلد أم لا، حتى لا تكون العضوية بوابة فساد ومن دون أية محاسبة مباشرة أو تعقيب، وحتى لا تصبح العضوية مغنماً فقط. ويُسند للهيئة فحص ما جناه النائب من أموال بصورة غير مشروعة أو تربُّح باستغلال العضوية والنفوذ، وأن يكون الخضوع لها إجبارياً بعد كل فترة عضوية.
أمام استشراء الفساد والمساهمة الواضحة لمعظم النواب في زيادته، ينبغي التفكير في آلية وإجراءات رادعة تحقق إصلاحاً مباشراً للمؤسسة التشريعية ذاتياً، وهو غير متصور حتى اليوم، أو بآلية بديلة ومبتكرة وفعالة، وهو الواجب، فمصلحة البلد وحتى سيادته تمت المساومة عليها لقاء حفنة من الأصوات أو المال، ضماناً للمقعد البرلماني، أو لبيعه أو حتى رهنه. مَن يراجع الأداء البرلماني في الكويت، منذ عام 1981 على الأقل، يدرك أن كثرة غالبة في مجالس الأمة قد انحرفت وتعسّفت وأساءت للممارسة البرلمانية وللبلد، وتكسّبت ولهثت وراء أمجاد شخصية أدّت إلى سرعة عجلة تراجُع البلد وتدهور أحواله، فالقضايا المعلّقة بالبلد لا تزال قائمة وبلا حلول، لأنها ليست أولويتهم ولا همّهم، ولا يعملون لأجلها، وتدرك ذلك بقليل من المراقبة والتمعُّن لترى تسابُقهم المحموم بمقترحات استنزافية وهامشية ومكررة ومستهلكة، والناس والبلد يعانيان الأمرّين، بسبب سعيهم إلى مجد شخصي، والبلد هو الضحية والخاسر، والجميع يلاحظ ارتجالهم للتشريعات وتكديسها دعائياً بعيداً عن الإنجاز والحلول الحقيقية.
رقابتهم منحرفة ومزاجية، ولو حلّلنا الأسئلة البرلمانية المقدمة عبر السنوات لوجدناها كغثاء السيل لأغراض منحرفة أو ابتزاز أو انتقام، والاستجوابات بصورة عامة ران على صفحتها مسلك مماثل! وآخر شيء يشغلهم هو بناء البلد ومصالحه وتطوّره وتنميته، فلا عجب في أن يؤول البلد إلى التدهور والضياع بين رغبات نيابية صارت وبالاً عليه.