تابعت باهتمام من نيويورك وحللت نتائج انتخابات التجديد النصفي، التي جرت في الرابع من نوفمبر 2014 بتغريدات في حسابي على «توتير». أتت نتائج الانتخابات ثقيلة ومعبرة عن حجم الاحباط، وكانت كارثية بكل معنى الكلمة، وخاصة للرئيس أوباما.
صحيح أن الرئيس أباما لم يكن مرشحاً، ولكن أجندته وانجازاته وسجله وحتى زعامته في الداخل ودور ومكانة أميركا في الخارج كانت على المحك بالنسبة للناخب الأميركي أو لمن صوت من الأميركيين الذين لم يتجاوزوا ثلث الناخبين، بينما عزف كالعادة ثلثا الناخبين عن الاقتراع.
وقد روج لذلك خصوم أوباما من «اليمين» والحزب «الجمهوري» الذي يسعى ليس لاستعادة الأغلبية فقط في مجلس الشيوخ، ليسيطر على مجلسي النواب والشيوخ معاً، ولكن لتوظيف ذلك كمنصة وانطلاقه لاستعادة البيت الأبيض في انتخابات الرئاسة عام 2016.
عندما جرت انتخابات التجديد النصفي في الرابع من نوفمبر الجاري كانت نسبة الرضا عن أداء الرئيس لا تتجاوز 42%، مقابل انهيار كلي للرضا عن أداء الكونجرس الذي انحدر لـ12%. والأخطر من ذلك أن أكثر من ثلثي الأميركيين يرون أن بلادهم تسير في الاتجاه الخاطئ. وسط هذه الأجواء المحبطة والصعبة وبالرغم من نجاح أوباما بخفض نسبة البطالة من نحو 9% إلى أدنى مستوى لها في سنوات لأقل من 6%، وانخفاض أسعار وقود السيارات لأدنى مستوى له منذ سنوات إلا أن ذلك لم يؤثر إيجابياً على أوباما وحزبه «الديمقراطي».
هنا يجب التأكيد على عدة حقائق: أن انخفاض المشاركة في انتخابات التجديد النصفي هي ظاهرة تتكرر باستمرار. ثانياً: عادة ما يخسر وأحيانا بشكل كبير حزب الرئيس الحاكم في البيت الأبيض في انتخابات التجديد النصفي في مجلسي النواب والشيوخ. ثالثاً: عادة ما تتمحور انتخابات التجديد النصفي حول الشأن الداخلي من الضرائب والاقتصاد إلى الرعاية الصحية والتعليم وإلى الصراع الدائم بين الإدارة والكونجرس. خاصة إذا كانت الحالة كما هي اليوم نظام سياسي أميركي منقسم وحزب يسيطر على السلطة التنفيذية وآخر يسيطر على السلطة التشريعية. في حالة أوباما كانت الخسارة كبيرة وقاسية.
حتى في عهد الرئيس بوش، خسر حزبه «الجمهوري» الأغلبية في مجلس الشيوخ عام 2006، وكذلك الرئيس كلينتون خسر حزبه مقاعد عديدة في الكونجرس للحزب «الجمهوري» عام 1996. ولذلك يُوصف الرئيس بسبب ذلك، وللعامين المتبقيين من فترة ولايته الثانية بالبطة العرجاء دلالة على تحجيمه وأنه يمضي ما تبقى له من عامين وشهرين محاصراً ومحبطاً على يد خصومه. وفي حالة أوباما اليوم، يبدو «الجمهوريون» منتشين بالانتصار، وبدأوا يخططون بجدية لحرمان أوباما من أي انجازات في الداخل وحتى في الخارج، وخاصة حول ملف إيران النووي. خاصة بعدما اكتسب «الجمهوريون» مزيداً من الثقة والقوة والنفوذ بزيادة عدد أعضائهم من 45 سيناتور إلى ما لا يقل عن 53 سيناتور، وبانتظار حسم معركتي ولايتي فيرجينيا وألاسكا. وفي مجلس النواب كسب «الجمهوريون» 12 مقعداً على حساب «الديمقراطيين»، وحتى في انتخابات حكام الولايات، زاد عدد حكام الولايات «الجمهوريين» ثلاثة مقاعد ليصل عدد حكام الولايات 31 حاكماً. وبالتالي انتزع «الجمهوريون» الأغلبية من «الديمقراطيين» في مجلس الشيوخ.
يعزي «الجمهوريون» انتصارهم لفشل مشروع وبرنامج أوباما وعجزه عن تحقيق الوعود في الداخل وفي قيادة الولايات المتحدة في الخارج. وبالتالي تراجعت مكانة وزعامة الولايات المتحدة حول العالم. وقد استفاد الحزب «الجمهوري» من الغضب والإحباط الشعبي بسبب الانقسام والتخبط حول القضايا الداخلية، وخاصة الهجرة والمهاجرين غير الشرعيين، وقانون التأمين الصحي الذي يُعد أهم انجاز لأوباما. وهناك التخبط في الشأن الخارجي والحرب على «داعش»، وعودة الهاجس الأمني بعد صعود «داعش» ومتابعة الأميركيين المصدومين من نحر الصحفيين الأميركيين «فولي» و«ساتولوف»، ما حفّز الرأي العام الأميركي لدعم عمل عسكري ضد «داعش»، مما يرفع هاجس القلق عند الأميركيين من خطر عمل إرهابي في البلاد.
تداعيات نتائج انتخابات التجديد النصفي كبيرة ودلالاتها معبرة، وبالرغم من تحمل أوباما مسؤولية الخسارة القاسية، فإن النقاش بدأ حول انعكاس ذلك على فرص فوز مرشح الحزب «الديمقراطي» عام 2016، وخاصة على هيلاري كلينتون. وبالرغم من تقدم كلينتون على جميع المرشحين المحتملين في انتخابات الرئاسة عام 2016 حتى اليوم، فإن جميع من دعمتهم من المرشحين «الديمقراطيين» خسروا مقاعده في الانتخابات.