مرّ أمس ٣١ عاماً على أكثر المحن إيلاماً بتاريخ الكويت المعاصر، وهي الغزو العراقي الغاشم، الذي عاث في الكويت فساداً وقتلاً وأسراً، ودمّر وأتلف وألحق بالبلاد والعباد أضراراً لا حصر لها، وقد تمثلت فيه أبشع صور الغدر والخيانة والدناءة، وقد سخّر الله سبحانه وتعالى للكويت وأهلها تحالفاً دولياً فريداً، نصرة للكويت وأهلها، فدحر الغزاة وردهم خائبين وأنعم الله علينا بنعمة التحرير منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً في 26 فبراير 1991.
والسؤال: هل تبدلت أحوالنا للأفضل منذ ذلك التاريخ؟ وهل تحررت عقولنا لتصحيح مسار بلدنا وتجنب أسباب وأحوال وظروف الغزو؟ هل نستعيد كويت الرعيل الأول؟ أقول بكل أسف: ذلك لم يحدث؛ إذ إن أحوال البلد في انحدار متزايد وبعض عقولنا أسيرة مريضة "تعشعش" فيها الأفكار والممارسات الفاسدة.
فأغلب السياسات الحكومية تسير بفكر استهلاك وإهدار موارد البلد، ومنهج السلطة والحكومة بمعظم وزرائها اللامسؤولية، كلٌّ يتصرف بوزارته كما لو كانت عزبته وملكه الخاص، وهو النهج الذي أصبح ثقافة مستقرة، فوزير يعين وكلاء، وآخر يحيل غيرهم إلى التقاعد بمزاجية وأهواء شخصية، أو ترضيات سياسية أو تكسب للولاء، فالعقلية السائدة منذ الخمسينيات هي الحاضرة اليوم، فضلاً عن تنفيع المتنفذين، والتعيين بالوظائف والترقي فيها، مثل التعليم والعلاج بالخارج والبعثات، كلها تتم بمحسوبيات وواسطات، بلا معايير وبصورة عشوائية، وبفساد واضح في ظل مجلس فرغ من سلطاته الرقابية، ورهنه رئيسه وأقلية من أعضائه تحت تصرف السلطة والحكومة، وغاية عدد من أعضائه التكسب الشخصي والانتخابي، مما حوّل المجلس لمؤسسة ضعيفة.
وقد أهدرت في دهاليز ذلك العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، مما زاد مشكلات البلد وأحبط المواطنين، وسادت الانتهازية السياسية وخرق القوانين والخروج على الأنظمة، بعيداً عن المصلحة العامة، مما ضاعف مشكلات البلد، إذ حرر البلد ولم تتحرر كثير من العقليات في جميع المستويات.... واستمر النهب وإضعاف البلد، فبرز فاسد الذمة ودافع المال وقناص الأموال العامة وتلاشت القيم، ونجح الراشي وهيمن المزور، وأُسرت مفاصل الدولة بيد خمسة أشخاص، وتشتت وتاهت التيارات والمجاميع السياسية وحلت مكانها الطائفية والقبلية، وجميعهم يسعى لنيل فتات رفات الوطن. نعم، تحرر البلد من الغزو، ولكن لم تتحرر كثير من العقول التي تمثل غزواً داخلياً.
إن الأمانة التي أوكلها الرعيل الأول لأجياله هي الحفاظ على الوطن، لا في الحدود فحسب بل في الكيان والوجود، ورغم كل ذلك يبقى الكويت وطن النهار الذي لن تغيب شمسه، وتاريخه لن يُغيبه ضعف أو فساد أو تآمر دولي، وتحريره كان ولا يزال رمزاً للوجود بلا قيود أو حدود. وسيأتي اليوم، وهو قريب جداً، الذي يتم تحرير الوطن فيه من الفساد ورموزه وشخصياته، وسنسعد برؤيتهم خلف القضبان قريباً، واسترداد الأموال المنهوبة من قبلهم.