الخروج الأميركي من أفغانستان لم يكن قراراً مفاجئاً وليس خطأً في التقدير من الأميركان، بل هو سيناريو مخطط له ومقصود، كغيره من المخططات والتدابير التي يتصرف بموجبها الغرب المستعمر، لتحقيق مصالحه وإعادة ترتيب تموضعه الاستراتيجي والعسكري وتحقيق أهدافه.
فقد رأينا ذلك في ألمانيا، وفي فيتنام، وكوسوفو، والعراق، وليبيا، وسورية، ولعل أكثر تجربة عشناها وشاهدناها ولمسناها ما حدث في العراق، وكيف كان خروجهم وكيف رتبوا لإيران، ثم أعادوا نشر قواتهم في أماكن أخرى، وها هو أسلوبهم يتكرر اليوم في أفغانستان، فالغاية والمخطط باختصار شديد، هو إبقاء العالم العربي والإسلامي في حالة توتر مستمر، وبؤرة للصراعات العسكرية وتجاربهم المختلفة للأسلحة والمعدات العسكرية من خلال النزاعات والاستنزاف المستمر، عبر بيع الأسلحة لكل الأطراف المتحاربة والمتصارعة، وتغذية الأميركان والغرب للنعرات القومية والإثنية والطائفية والدينية وحتى القبلية، ولو دققنا في أي صراعات ونزاعات في منطقتنا العربية والإسلامية، لما أعيانا النظر، لإدراك تلك الحقائق وتلمُّس مقاصدها وترتيباتها.
فاحتلالهم لبلادنا كان لغايات محددة، وتركها ومغادرتها كانا أيضاً لأهداف مرسومة وموجهة، انظر ماذا عملوا في العراق، وكيف رتبوا سقوطه بيد إيران، وقد نبهت في دراسة عام 2004، كيف يمكن أن يخرج الأميركيون من العراق وإبقاؤه موحداً وآمناً! ولكن مخططهم كان غير ذلك! ومقصدهم منه واضح، وانظروا إلى ما قامت به فرنسا في ليبيا بعد إسقاطها للقذافي، وقد كان بإمكانها تأمين استقرارها، ولكنهم تصرفوا لخلق بؤرة نزاع هناك.
ونفس الأسلوب ما زالوا يمارسونه في لبنان وسورية، وقد تختلف الطرق وربما تتعدد الأطراف وتتنوع التحالفات لكن الغاية الاستراتيجية واحدة.
قد يقول قائل: إلى متى ونحن نعيش في نفسية وتفكير نظرية المؤامرة؟... ورغم تحرري من أسر هذه النظرية على إطلاقها، وما تتركه من آثار وخيمة من الإحباط والضياع، لكن الشواهد والحقائق التي سطرها الغرب في الثلاثين سنة الماضية، كفيلة بإقناع من يحاول أن يقلل من تلك الحقيقة، ولن أخوض جدلاً في ذلك.
لكني أقول، كما قلت في شأن خروج الأميركان من العراق، كان بإمكانهم أن يخرجوا بطريقة تمنع النزاعات وتعزز الوحدة، وقد عملوا خلاف ذلك في العراق.
وأتمنى أن أكون مخطئاً بشأن سياستهم وتوجهاتهم في أفغانستان، والأيام والسنوات القليلة القادمة كفيلة بأن تبرهن على حقيقة ما أقول أو تدحضه.
ولن يفوتني في هذه اللحظة أن أستخدم الأبعاد الرباعية فيّ ككويتي وعربي ومسلم وإنسان، وأناشد شعب أفغانستان بكل فئاته وانتماءاته، أن يفوت الفرصة على الغرب وعلى مخططهم، بتلاحم جبهتهم وتسامحهم وتصالحهم لاستقرار بلدهم وتطوره، بمشاركة كل مكوناته وأبنائه رجالاً ونساءً ومن كل المشارب، فلا تجلبوا الخراب لدولتكم، ولا تكونوا لقمة سائغة كما يخطط لكم الغرب، ولنر الإسلام بسماحته وعفويته ومدنيته من خلال نظام حديث ومتطور يعيد البهجة لأفغانستان، ويكون نموذجاً للدول الأخرى، ولا توقظوا مردة أمراء الحرب كما تم إيقاظها وإعادتها للحياة في لبنان، وهم يعيشون اليوم آثار ويلاتها ونيرانها.