كما أوضحت في مقالي هنا الأسبوع الماضي، فإن صخب وتاريخية انتخابات الرئاسة الأميركية الحالية (لعام 2016) يتفاعلان بشكل غير مسبوق هذه المرة، وذلك بسبب نوعية المرشحين غير التقليدية، أول امرأة مرشحة عن حزب رئيس (هيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي)، وأول مرشح غير تقليدي عن حزب رئيس يأتي من خارج المؤسسة الحزبية الجمهورية، بل متمرد ومحرج لمؤسسة الحزب ولقيادته (دونالد ترامب).
وتقدم هيلاري نفسها بوصفها مرشحة الثبات والخبرة، وباعتبارها ابنة المؤسسة الحزبية التي تحافظ على المنتمين لها وترفض الطارئين ومَن يدّعون أنهم يمثلون ثورة داخل الحزب، مثل السناتور بيرني ساندرز الذي اعتبر حملته حركة تجديدية داخل الحزب الديمقراطي.
انتخابات الرئاسة الأميركية شاغلة الأميركيين والعالم بأسره، كأهم حدث في عام 2016، تفرض نفسها بقوة على الأميركيين الذين سيكونون سعداء بوصولها يوم غد الثلاثاء، الثامن من نوفمبر، لمحطتها الأخيرة، أي يوم الاقتراع باعتباره لحظة الحسم الكبير عندما ينتهي صراع امتد لأكثر من 600 يوم، ما يجعل انتخابات الرئاسة الأميركية الأطول والأكثر كلفة، إذ تتجاوز كلفتها مليارات الدولارات، تأتي من مساهمات وتبرعات المناصرين والشركات والمؤسسات والأفراد. وذلك ما يجعل الديمقراطية الأميركية مكلفةً للغاية، إذ تسمح بتدخل المال السياسي الذي لا بد منه للوصول إلى المناصب، من سدة الرئاسة إلى مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب والمجالس التشريعية على مستوى الولايات.
وفِي استطلاع رأي حديث، عبّر 82% من الأميركيين عن استيائهم من حملتي الرئاسة لترامب وهيلاري. وهناك كثير من الأميركيين يتمنون سرعة انتهاء الانتخابات الرئاسية. وبغض النظر عمن سيفوز بهذه الانتخابات وعمن سيصل إلي البيت الأبيض في 20 يناير 2017، سواء أكان هيلاري أم ترامب.. فسيكون ذلك الرئيس هو الأقل شعبية والأقل قبولاً في تاريخ مؤسسة الرئاسة الأميركية حتى الآن، حيث تُظهر استطلاعات الرأي تراجع مستوى الرضا عن المرشحَين لدى الناخب الأميركي.
كما أن طول وتعقيد حَمَلة الرئاسة الأميركية، والتي تمتد لما يقارب العامين، من التصفية داخل الحزب والمؤتمرات الحزبية، إلى المناظرات المحتدمة والحملات المضادة المكلفة التي تنهش المنافس في أجواء يغلب عليها الشحن والطعن والتجريح الشخصي والاتهام بالفساد وقلة الكفاءة.. ما يجعل انتخابات الرئاسة الأميركية فريدة من نوعها ولا مثيل لها في الديمقراطيات المعاصرة.
ورغم ذاك الزخم والصخب، وقصف التغطية الإعلامية اليومية المستمرة على شبكات التلفزة ووسائط التواصل الاجتماعي، وبشكل مكثف.. ورغم التساهل الكبير على مستوى الولايات لتشجيع التصويت المبكر والغيابي (التصويت يقع ضمن صلاحيات وإشراف الولايات وليس الحكومة الفيدرالية).. فإن نسبة الاقتراع في انتخابات الرئاسة الأميركية بالكاد تتجاوز 50% من نسبة الناخبين، ما يجعل الولايات المتحدة ضمن الديمقراطيات الغربية الأدنى في نسب التصويت.
ما يخشاه الكثير من الذين تحدثت إليهم، من نواب وأكاديميين وإعلاميين، هو أن تعزز حملة الرئاسة الأميركية حالة الانقسام الحاد الذي يشهده المجتمع الأميركي بين ديمقراطيين وجمهوريين وطيف ثالث غير مقتنع بأي من المرشحَيْن! لذلك فالناخب الأميركي في الأغلب سيصوت للمرشح الأقل ضرراً، وقد يكون تصويته احتجاجياً وليس عن قناعة بالمرشح!
لذا ستبقى الولايات المتحدة، مجتمعاً ودولةً، في حالة انقسام على نفسها، ولن تنجح في تصحيح الهفوات التي يعاني منها النظام السياسي الأميركي الذي يبشر العالم بالقيم والحريات الديمقراطية. نظام الحكم السياسي الأميركي يسمح بدور منظم ومقنن لجماعات الضغط عبر المال السياسي، بالتدخل والتأثير على مخرجات الانتخابات، حيث يصل إلى البيت الأبيض والكونغرس من يخدم مصالح مراكز القوة! وهناك كتاب ساخر عن النظام الأميركي والمال السياسي عنوانه: «أفضل ديمقراطية يشتريها المال السياسي».
ويبقى نظام الولايات المتحدة، ملهمة العالم بالحريات والديمقراطية والمشاركة السياسية، نظاماً غير قابل للتصدير، لخصوصيته وصفاته وآليته الراسخة في نمط الثقافة والممارسة الأميركي.
وفي الأسبوع المقبل، سوف نحلل انعكاسات فوز ترامب أو هيلاري بالرئاسة على صورة النظام الأميركي.